ادخل أي متجر بقالة اليوم، وستجد على الأرجح عبارات مثل “غني بالبروتين”، أو “مُشبع بـ 18 غرامًا”، أو “غذِّ يومك”. وتتناول تقارير موجة البروتين من خلطات الفطائر إلى الآيس كريم، حتى المنتجات غير المتوقعة مثل صلصات المعكرونة وألواح الحلويات.
المشكلة ليست في البروتين
البروتين بالطبع ضروري، فهو يساعد على إصلاح الأنسجة وبناء العضلات وموازنة الهرمونات ودعم المناعة، كما يمنح شعوراً بالشبع لفترة أطول. وهو عنصر غذائي حيوي للأطفال وكبار السن والحوامل والمتعافين من مرض أو جراحة.
ولكن كما تشير أليس كالاهان، مراسلة الشؤون الصحية في صحيفة نيويورك تايمز، فإن المشكلة ليست في العنصر الغذائي ذاته، بل في الهوس الثقافي الحالي به. وتقتبس تقريرها أن “الرجل العادي في الولايات المتحدة يتجاوز الكمية الموصى بها من البروتين بنسبة تزيد عن 55%”، وأن “المرأة العادية تتجاوزها بنسبة تزيد عن 35%.” وتستند هذه الأرقام إلى الإرشادات التي توصي بتناول 63 غرامًا من البروتين يوميًا لرجل سليم يزن 175 رطلاً، ومع أن تطبيقات تتبع السعرات مثل MyFitnessPal غالبًا ما تقترح ما يزيد عن 164 غرامًا.
إذًا، إلى أين يذهب كل هذا البروتين الزائد؟ ليس إلى العضلات ما لم تمارس تمارين مكثفة، فالكبد يحوّله إلى طاقة، وإن لم يُستخدم يُخزَّن كدهون.
من المثير للقلق أن خبراء التغذية أنفسهم قد لا يكونون بمنأى عن هذا الهوس. فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2017 ونشرت في مجلة أكاديمية التغذية وعلم التغذية أن ما يقرب من 50% من أخصائيي التغذية المسجلين معرضون لخطر الإصابة باضطراب الأكل العصبي Orthorexia nervosa، وهو هوس غير صحي بتناول الطعام “بشكل صحيح”. كما أن 13% منهم معرضون لاضطرابات الأكل التقليدية، و8% تلقوا علاجًا سابقًا. وإذا كان مقدمو المشورة العامة أنفسهم يعانون من اضطرابات الأكل، فذلك يثير مخاوف بشأن مستقبل هذا التوجه.
على عكس اتجاهات الحمية السابقة التي روجت لقيود متطرفة مثل تقليل الكربوهيدرات أو الدهون، يبدو جنون البروتين حميدًا ظاهريًا، ولكنه يحمل نفس العبء العاطفي والنفسي. عندما تصبح كل لقمة معادلة محسوبة، وعندما يُستبدل الانغماس بالأهداف، يتوقف الطعام عن أن يكون مغذيًا بالمعنى الكامل للكلمة.
أمراض قد تصيبك وأضرار الإفراط في تناول البروتين موجودة، فهناك فرق بين الأكل الواعي والإدارة الدقيقة لكل وجبة. يجب أن يعطي تناول الطعام الجيد الأولوية للتوازن والرضا والاستدامة—وليس خنق صدور الدجاج الجافة أو إخفاء مسحوق مصل اللبن في لاتيه الصباح.
لم تتغير أصح مصادر البروتين: البيض والأسماك والعدس واللحوم ومنتجات الألبان والمكسرات والفاصوليا. ولكن في ثقافة تسعى وراء الأرقام، حتى هذه الأطعمة الكاملة طغت عليها ألواح البروتين والمساحيق المصنعة والوجبات الخفيفة المدعمة صناعياً. التغذية في النهاية ليست منافسة؛ إنها علاقة مدى الحياة مع الطعام، علاقة تعمل بشكل أفضل عندما تكون مبنية على التنوع والاعتدال.
