تشير تصريحات ليج، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في جوجل ديب مايند ومؤسسًا مشاركًا لها، إلى أن التغيرات المتوقعة خلال العقد القادم قد تكون عميقة حتى إنها ستعيد تشكيل طريقة عمل الناس وكسبهم رزقهم وتبرير مكانتهم في الاقتصاد.
يؤكد ليج أن الذكاء الاصطناعي ليس الحد الأقصى للذكاء البشري، بل يمتلك قدرة تفوق البشر في معمارية العمل من حيث استهلاك الطاقة وسرعة الأداء ومعالجة كميات هائلة من المعلومات في مراكز بيانات قادرة على تشغيل عمليات بمعدلات تفوق قدرة الدماغ البشري، وهذا يجعل الآلات مهيأة لتجاوز الإنسان في العديد من المجالات.
وأشار إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتفوق حاليًا في مجالات اللغة والمعرفة العامة، وأن نقاط ضعفها مثل الاستدلال والفهم البصري والتعلم المستمر ستتلاشى تدريجيًا خلال السنوات القادمة، مع توقع وصولها إلى مستويات احترافية وأكثر في مجالات مثل البرمجة والرياضيات والعمل المعرفي المعقد.
مستقبل العمل عن بُعد
يؤكد ليج أن العمل الذي يُنجز عبر الإنترنت بالكامل بدون حضور فعلي هو الأكثر عرضة للخطر مع تزايد ثقة المجتمع بالذكاء الاصطناعي وتطور قدراته، موضحًا قاعدة عامة تقول: إذا كان بالإمكان أداء العمل عن بعد باستخدام جهاز كمبيوتر فقط، فهذه الوظيفة مهددة بأن تستبدلها التكنولوجيا في المستقبل القريب.
في قطاع هندسة البرمجيات، يرى ليج أن الفرق التي تتكون من مئة مهندس قد تتقلص أعدادها بشكل ملموس عندما يتولى الذكاء الاصطناعي أعباء العمل، ويتوقع أن يُطلب في غضون سنوات قليلة عقد من عشرين مهندسًا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ما يعزز الإنتاجية ولكنه يقلل فرص العمل للمبتدئين ولمن يعملون عن بُعد.
يتجاوز القلق المهن المحددة ليشمل فكرة أن الذكاء الاصطناعي قد يغير الاقتصاد والمجتمع تغييرًا جذريًا؛ فالنظام التقليدي القائم على تبادل الجهد الذهني والبدني مقابل الدخل قد لا يبقى فعالًا كما كان حين تتاح للآلات قدرات معرفية أعلى بتكاليف أقل.
ويشير ليج إلى أن التحول لن يحدث دفعة واحدة، بل سيمضي عبر سنوات حيث ينتقل الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى أداء أعمال ذات قيمة اقتصادية مستقلة، مع تفاوت في التأثير حسب القطاعات؛ فمن المرجح أن تتعرض وظائف العمل عن بعد التي تعتمد بشكل كبير على الناتج الرقمي لضغوط مبكرة، في حين قد تبقى وظائف تتطلب حضورًا فعليًا أو مهارات يدوية محمية لفترة أطول.
كما حذر من أن تجاهل هذه الإشارات سيكون خطأ، مع مقارنة الوضع بما حدث في مطلع 2020 عندما حذر الخبراء من جائحة وشيكة ولم يأخذها كثيرون بجدية، مؤكّدًا أن وجود قوى أساسية مؤثرة سيؤدي في النهاية إلى تغيّرات كبيرة لا محالة.
إمكانات وتحديات التوزيع الاقتصادي
على الرغم من التوقعات القاتمة لبعض الوظائف، يرى ليج أن الذكاء الاصطناعي قد يفتح عصرًا ذهبيًا حقيقيًا من خلال زيادة الإنتاجية وتقدم العلوم وتخفيف البشر من العملاء الذين يمكن للآلة تنفيذهم بكفاءة أعلى، لكن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية توزيع الثروة الناتجة وضمان ألا يُترك الناس بلا هدف أو دعم، ومع اقتراب الذكاء الاصطناعي من مستوى الذكاء العام قد تتغير طبيعة العمل عن بُعد والعمل من المنزل في بعض القطاعات، بينما تبقى وظائف أخرى محمية لفترة أطول.
ويؤكد أن على الحكومات والمؤسسات إعادة النظر في مفهوم العمل قبل فرض التحول، مع وضع سياسات توزّع الثروة التي تخلقها الآلات وتعيد تشكيل الأطر التنظيمية للمجتمع لضمان استقرار اقتصادي واجتماعي.



