 
                                                    أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين اليوم بتقوى الله والتأمل في عبد موفق من عباد الله عاش في خير لم يسأله، وينجو من شر لم يتقه، وهذا الفضل سبقه توفيق من الله ثم دعاء من عبد صالح لم يعرفه، وإغاثة ملهوف لم يذكره، وتفريج كرب لأخ لم يعلمه، مع وجود خير عمل صانع في الخفية لم يظهره. قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
ثم بيّن أن في القرآن قصة عظيمة مباركة من قصص أهل الإيمان والتوكل في زمن الغربة؛ أولو عزمٍ من الرجال فرّوا بدينهم من الفتن فنجّاهم الله وأعزّهم، وأوى لهم الرب فكتب لهم الرفعة والعزة والكرامة، وهو يبين أن لله أسباب حفظ وكرامة تُرتّب على الالتجاء إلى الله. إنها قصة أصحاب الكهف والرقيم، وهي آياتٌ تدفع إلى التأمل وتستنتج منها دروسًا تجمع بين الإيمان والتوكل وبين الأخذ بالأسباب وبالغيب، وتُظهر عظمة آيات الله في الأفاق والأنفس.
وأوضح أن في هذه السورة الكريمـة، بمسارها العام وقصتها الخاصة، تتجلى علاقة الإيمان بالتوكل وبالأخذ بالأسباب وبالإيمان بالغيب، وتبيّن الفرق بين الاعتماد على الماديات والانشغال باللذات العاجلة وبين حقائق الإيمان ونور النبوة ومعايير الاستقامة والعقل والأخلاق.
وأكد أن من الدروس في هذه الفتية المباركة أن الإيمان الصحيح بالله فاطر الكون ومبدعه هو الأساس، وأن الاعتماد على الغيب وبعث الحياة لا يغني عن العمل، وأن التوفيق من الله منةٌ ينبغي لمن آمن واعتمد عليه أن يعیشها بالتوحيد والهدى، لا بالقلق من الفتن ولا بالتفرقة. قال سبحانه: «وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوا مِن دُونِهِ إِلَيْهَا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا».
كما أشار إلى أن هؤلاء الفتية كانوا على قلب واحد، تعاونوا وتآلفوا، وتلاشت مظاهر الفردية والخلاف بينهم، فصاروا جماعة واحدة ويدًا واحدة، ونُسِبَت إليهم الوحدة في الحق والمنهج. وتذكّروا أن من صاحب الأخيار نال من خيرهم، ومن عاش مع المتفائلين غمرته سعادتهم، كما دلت الآيات على ذلك بوضوح.
وتوقف عند درس عجيب وهو الانشغال بما لا طائل تحته من أمور دنيوية غير مفيدة؛ فقد قال هؤلاء الفتية حين سئلوا عن مدة نومهم: «ربكم أعلم بمَا لَبِثْتُمْ» فدلت على تواضعهم وتركهم الحصر في تفاصيل الدنيا طلبًا للحق الثابت.
وختم بأن هذه القصة العظيمة تغرس في فؤاد المؤمن، لا سيما في أوقات الأزمات والمضايق، أن العبد ضعيف بنفسه قوي بربه، وأن التوفيق هبة من الله، وأن للمؤمن مقامان: مقام عمل وكسب ومقام هبة وتوفيق. فمن آمن بالله وتوجه إليه هداه الله قلبه وأقبل عليه.
في المسجد النبوي ودعوة إلى تقوى الله
وفي المسجد النبوي أوصى الشيخ أحمد بن علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله؛ فهي تاج الكرامة والفضائل والسبيل إلى أسنى المراتب، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».
وبين أن الحياة الحقيقية هي الأرواح والقلوب وليست حياة الأبدان والماديات، وأن الانشغال بالأسباب دون خالق الأسباب ينسى الإنسان، فالمؤمن يجعلها في موضعها ويعتمد على الله في سنن الكون وفق الشرع دون أن يرفعها فوق منزلتها أو يهملها جهلًا أو تواكلًا.
وأوضح أن الدعاء من أعظم أسلحة المؤمن، وأن اللجوء إلى الله في كل حال ثابت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن عباس: «كنت رديف رسول الله فقال: يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟» ثم عوّده أن يحفظ الله تجده أمامك، وتعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. وكذلك قال النبي ﷺ: «الدُّعاءُ هو العبادةُ» ثم جاء في الحديث «ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ» و«إِذَا دَعَا الْعِبَادُ رَبَّهمْ كَانُوا فِيهِ قَرِيبِينَ».
وأشار إلى أن متابعة سيرة النبي ﷺ تكشف حياة مليئة بالدعاء والاستغفار والاستذلال أمام الله، وأن القرآن يعلمنا الجمع بين الأخذ بالأسباب والدعاء واللجوء إلى الله، حتى في آيات مثل: «وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ».
