أظهر تقرير MomsChoiceAwards نقاشًا واسعًا بين خبراء التربية وعلم النفس، بعد عرض نتائج دراسة أُجريت لبحث العلاقة بين ترتيب الميلاد وسلوك الأبناء داخل الأسرة، حيث اعتمدت الدراسة على تحليل آلاف الأسر التي لديها أكثر من طفل، مع تركيز خاص على الأسر التي فيها الطفل الثاني ذكر بهدف فهم ما إذا كان ترتيب الولادة ينعكس على الانضباط والتفاعل الاجتماعي لدى الأبناء.
نتائج مفاجئة تكشفها الإحصاءات
أثبتت النتائج أن الطفل الثاني، وبالأخص حين يكون ذكراً، غالبًا ما يظهر سلوكيات أكثر اندفاعًا وتمردًا من الطفل الأول، مع احتمال أعلى لحدوث مشكلات سلوكية في المدرسة أو في الحياة الاجتماعية. وأوضح الباحث أن البيئة التي ينشأ فيها هذا الطفل تساهم في تشكيل هذه الفوارق، حيث يتعلم الطفل الأول من الكبار ويتقن أساليب التنظيم، بينما يظهر الطفل الثاني أمام نموذج أخيه الأكبر الذي لم ينضج بشكل كامل، فيتأثر بأسلوبه العفوي وغير المقيد. كما أشارت النتائج إلى أن تفاوت تركيز الأبوين على الأبناء يسهم في تكوين هذه الفوارق، فبينما يكونان أكثر توجيهًا ومتابعة في فترة الطفل الأول، يقلان مع وجود المولود الثاني نتيجة الانشغال والإرهاق أو الاعتياد، ما يجعل الأخير يبحث عن طرق لجذب الاهتمام. لا تعني هذه النتائج أن الطفل الثاني دوماً مشاغباً، لكنها تفتح باب الحوار حول دور الأهل والبيئة في تشكيل شخصية الأبناء ومدى تأثير الملاحظة والمقارنة المستمرة على نموهم النفسي.
الدكتور عادل سلطان: غياب التوازن الأسري هو أصل الاضطراب
يقول الدكتور عادل سلطان، استشاري الطب النفسي بجامعة القصر العيني، إن ما تصفه الدراسات ليس قدرًا نفسيًا للطفل الثاني بل انعكاس لطريقة تعامل الأسرة معه. يوضح أن الإفراط في التدليل أو الإهمال قد يسبب اضطرابًا في الشخصية، وأن بعض الأسر تميل إلى الإفراط في الاهتمام بالطفل الأول باعتباره التجربة الأولى، فيتعاملون مع الثاني كـ“الأصغر الذي سيتعلم وحده”، مما يفقده الإشراف والدعم ويزيد من القلق والانفعال. وعلى الجانب المقابل قد تُدلِّل بعض الأسر الطفل الثاني بشكل مفرط بسبب الشعور بالذنب، فتصبح الحرية المفرطة سمة سلوكية تضعف ضبط النفس والاحترام للحدود. يرى سلطان أن الحل يكمن في العدل التربوي، لا في مساواة ظاهرية، فالتعامل مع كل طفل بناءً على احتياجاته النفسية وميوله يحقق توازنًا تربويًا ضروريًا ويمكّن من استخدام التمييز الإيجابي دون ظلم.
كيف يحافظ الوالدان على التوازن النفسي لأطفالهما؟
المساواة في الحب لا في المقارنة
ينبغي على الأبوين تجنب المقارنة بين الأبناء لأنها تقطع شعورهم بالذات وتدفعهم لقياس قيمتهم من خلال الآخر. يجب أن يسمع كل طفل من والديه قيمته وفرادته ويلاحظ أن لكل واحد منهما مكانة خاصة به.
التواصل الفردي المنتظم
ينصح الخبراء بتخصيص وقت أسبوعي بسيط يقضيه الوالدان مع كل طفل على حدة، للحديث واللعب ومناقشة أفكاره دون حضور الإخوة، فهذه اللحظات تعزز الشعور بالأمان والانتماء وتمنع الشكوى من الغيرة.
توزيع المسؤوليات بعدل
إشراك الأطفال في مهام منزلية مناسبة لأعمارهم يجعلهم جزءًا من منظومة واحدة ويغرس فيهم إحساس المسؤولية الجماعية، مع الحرص على ألا يتحمل الطفل الأكبر عبء تربية الأصغر بشكل زائد.
المرونة في أسلوب التربية
تُبنى التربية الناجحة على تفاعل مستمر بين الأهل واحتياجات الطفل، فبعض الأطفال يحتاجون إلى حزم أكبر، وآخرون يحتاجون إلى احتواء أوسع، والفهم النفسي لكل طفل هو مفتاح التوازن.
التعامل الإيجابي مع الغيرة
الغيرة شعور طبيعي ولا يجب قمعه بل توجيهه. يمكن الحديث مع الطفل الأكبر عن معنى وجود أخ جديد ومشاركته في رعاية الأخ بحدود بسيطة ليشعر بالانتماء لا بالإقصاء.
إشارات تستدعي الانتباه
من المهم ملاحظة أي تغير مفاجئ في سلوك الطفل الثاني مثل الانعزال أو التمرد المفرط أو العناد المستمر، فقد تكون هذه مؤشرات على ضغط نفسي غير ظاهر. وفي حال استمرارها، يُنصح باستشارة مختص في الصحة النفسية للأطفال، فالتدخل المبكر يمنع تحول المشكلة إلى نمط سلوكي دائم.
“متلازمة الطفل الثاني”
يُشِير Cryobank.ua إلى أن ما يُعرف بـ “متلازمة الطفل الثاني” ليس حالة طبية محددة بل مفهوم اجتماعي ونفسي يظهر منذ بدايات القرن العشرين. ويعود أصله إلى ملاحظات الطبيب النمساوي ألفريد أدلر، الذي لاحظ أن الأطفال في منتصف ترتيب الأسرة قد يشعرون أحيانًا بأنهم أقل اهتمامًا من إخوتهم، ما يدفعهم إلى سعي شديد للمنافسة أو لإثبات الذات. وتوضح المصادر أن هذه الظاهرة قد تنشأ عندما ينشغل الوالدان بإخوة الأكبر أو الأصغر، فيشعر الأوسط بأنه في الظل. لكن علماء النفس يؤكدون أن الدعم الأسري والاحتواء العاطفي كفيلان بإيقاف هذه الحلقة، فحين يحظى كل طفل بحب متوازن ويتاح له التعبير عن ذاته، تتراجع آثار الإقصاء تدريجيًا ويستعيد الطفل توازنه النفسي.
