اليوم العالمي للفتاة
يُحتفل بهذا اليوم لتسليط الضوء على تمكين الفتيات نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا منذ الطفولة، وتُوجَّه الأنظار إلى المرحلة التأسيسية التي تبدأ داخل البيت حيث تتكوَّن الثقة بالنفس وتُبنى الصورة الذاتية التي ترافق الفتاة مدى الحياة. وتؤكد الأبحاث النفسية أن تقدير الذات يبدأ مبكرًا في السنوات الخمس الأولى من العمر، ويتأثر مباشرة باستجابة الوالدين لمشاعر الطفل وسلوكه. حين تتلقى الفتاة رسائل تقبل غير مشروطة بأنها مسموعة ومحبوبة، تتكوَّن لديها بنية نفسية مستقرة تعينها على مواجهة الضغوط لاحقًا.
البيئة الأسرية ودورها في بناء التوازن النفسي
يعتمد بناء الثقة على ثلاثة محاور مترابطة هي القبول والانتباه والدعم. يعكس القبول شعور الفتاة بأنها ذات قيمة كوجود إنساني لا كأداء أو مظهر، وهذا يمنحها أمانًا داخليًا. يرتبط الانتباه بمدى وعي الأهل بتفاصيل سلوكها ولغتها وانفعالاتها اليومية. يشمل الدعم المساندة اللفظية والعاطفية في لحظات الضعف كما في لحظات النجاح، بما يعزز الاتزان العاطفي ويدعم الثقة بالنفس.
تتأثر الصورة الذاتية لدى الفتاة بشكل عميق بتقنيات التواصل اليومي، فالتجاهل للمشاعر أو التقليل من أهميتها يضعف البنية العاطفية ويغذي الشك الداخلي، بينما اعتراف المشاعر وتنظيمها تدريجيًا يسهم في تعزيز الثقة والاتزان.
التواصل اللفظي واللغوي كأداة علاجية
تؤثر اللغة في تكوين مفهوم الذات لدى الفتيات، فالكلمات البسيطة التي تعبر عن تقدير الجهد تشعل دوائر المكافأة في الدماغ وتدفع إلى سلوك إيجابي. أما العبارات التقييمية المباشرة التي تقصر الفتاة على صفات ثابتة كالذكاء أو الجمال فتعيد تشكيل الهوية حول التقييم الخارجي وتُضعف النمو النفسي الداخلي.
اتباع أسلوب الإنصات النشط يمنح الفتاة مساحةً للتعبير قبل الرد، وهذا يخفف التوتر ويزيد إفراز الناقلات المرتبطة بالشعور بالأمان مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين.
الحيل النفسية لتعزيز الثقة دون ضغط نفسي
ابتعد عن المقارنة لأنها تثير مسارات الخطر وتزيد القلق الاجتماعي وتقلل الإحساس بالكفاءة.
قدم الثناء بشكل محدد ومبني على السلوك، مثل “أعجبني مثابرتك”، بدلاً من التقييمات الثابتة كالجمال أو الذكاء.
اعتمد على الملاحظة كنهج تعليمي: رؤية الأم تتعامل مع ذاتها بثقة وهدوء تشكل نموذجًا أقوى من أي نصيحة.
اعطِ الفتاة مسؤوليات بسيطة في سن مبكر فيتدرّب الدماغ على اتخاذ القرار وتقليل الاعتماد على الآخرين.
ادْرُب الفشل بتشجيعها على تحليل الأخطاء بدلاً من الخوف منها، ما يخفف نشاط اللوزة الدماغية ويزيد التكيّف النفسي.
العوامل البيولوجية والنفسية المشتركة في بناء الهوية النفسية
تُعد فترة المراهقة مرحلة حاسمة في نضج الدماغ الانفعالي والمعرفي، وتزداد لدى الفتيات الحساسية تجاه الملاحظات المتعلقة بالجسم بسبب التغيرات الهرمونية، لذا يوصى بأن يكون الخطاب الأسري داعمًا وغير نقدي مع التركيز على القيم الجوهرية مثل الذكاء العاطفي والمرونة والقدرة على التنظيم الذاتي.
تشير الأبحاث إلى أن ممارسة الرياضة المنتظمة تعدّ من العوامل التي تعزز إفراز الدوبامين والإندورفين وتنعكس إيجابًا على المزاج والإدراك الذاتي، لذا يعتبر تشجيع النشاط البدني جزءًا من الوقاية النفسية الطويلة الأمد ضد القلق والاكتئاب.
الأم نموذج الثقة الأول
تمثل الأم المرآة العصبية الأولى لابنتها، فطريقة تعامل الأم مع جسدها ولغتها في التعامل مع الأخطاء والتوترات تُخزَّن في الذاكرة الانفعالية للطفلة وتؤثر في بناء صورتها الذهنية.
ينعكس توازن الرعاية والمسؤولية عندما ترى الابنة أمها تزاول العناية بنفسها بثقة وبدون شعور بالذنب، فتتعلم أن احترام الذات ليس أنانية بل ضرورة صحية.
