أظهرت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية في تقريرها الحقوقي الجديد بعنوان «بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن» تصاعداً مروعاً في معدلات الانتحار خلال السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي.
ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، يسجّل اليمن أكثر من 1,660 حالة انتحار سنوياً بمعدل 5.2 حالات لكل 100 ألف نسمة، وتقدر إجمالي الحالات خلال الفترة من 2015 إلى 2025 بنحو 13 إلى 16 ألف حالة. كما تضمنت إحصائية YWEF الميدانية 200 حالة موثقة بالأسماء والتفاصيل في 18 محافظة، غالبيتها في مناطق الحوثيين، من بينها 34 طفلاً و32 امرأة و64 معلماً وموظفاً حكومياً، وتصدرت محافظات إب وتعز وصنعاء وذمار أعلى المعدلات.
وأشارت النتائج إلى أن 78٪ من إجمالي الحالات وقعت في مناطق الحوثيين، فيما كان الابتزاز الإلكتروني والعاطفي سبباً مباشراً في ما لا يقل عن 22٪ من حالات انتحار النساء والفتيات.
كما أكد التقرير انهياراً شبه كامل في خدمات الصحة النفسية في اليمن، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 60 طبيباً، فيما أُغلِقت نحو 80٪ من المراكز والعيادات النفسية مع غياب البرامج الوقائية وخطوط الطوارئ.
وأوضح أن الانتحار في اليمن لم يعد قراراً فردياً، بل نتيجة تراكمات قهرية تواطأت فيها الحرب والفقر والعزلة وانعدام العدالة.
شهادات من الميدان
يتضمن التقرير ملحقاً يوثّق قصصاً إنسانية مؤلمة، منها انتحار الطفل أحمد الحسيني (12 عامًا) بسبب حرمانه من المدرسة، والطالبة مثنى (22 عامًا) بعد ابتزازها إلكترونياً، والمعلم ياسر جنيد (45 عامًا) إثر انقطاع راتبه واعتقاله، إضافة إلى المخترع عبدالمجيد علوس (32 عامًا) الذي انهى حياته بعد مصادرة اختراعاته. وتؤكد المؤسسة أن هذه الحالات تمثل “قمة جبل الجليد” لظاهرة تتنامى بصمت في ظل الخوف والوصم الاجتماعي.
ثم قالت المؤسسة في بيانها إن الحرب لم تكتف بقتل اليمنيين بالقذائف، بل دفعت الآلاف منهم إلى قتل أنفسهم تحت وطأة الفقر والخذلان واليأس. إن السكوت عن الانتحار هو تواطؤ مع الألم، وإنقاذ من تبقّى مسؤولية وطنية وأممية.
التوصيات والدعوات
دعت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية إلى إنشاء برنامج وطني للدعم النفسي والاجتماعي بإشراف منظمة الصحة العالمية واليونيسف، وإعادة تفعيل إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة اليمنية، وإطلاق خط ساخن وطني مجاني لتقديم الدعم النفسي، وتمكين المجتمع المدني من تنفيذ حملات توعية لكسر الصمت حول الظاهرة.
وأكدت أن الانتحار ليس فعلاً فردياً بل نتيجة السياسات القهرية والفقر المدقع وانهيار قيم الأمل، ودعت المجتمع الدولي إلى التعامل مع الظاهرة كقضية حقوق الإنسان وليست مجرد مشكلة طبية.
