أطلق البابا ليو الرابع عشر تحذيرًا لاذعًا من مخاطر الذكاء الاصطناعي، محذرًا من أن الاستخدام غير المنضبط لهذه التكنولوجيا في وسائل الإعلام يهدد بدفن الحقيقة تحت سيل من المعلومات الزائفة والأخبار المضللة.
وفي حديثه إلى الإعلاميين في الفاتيكان، دعا الصحفيين إلى أن يكونوا سدًا منيعًا ضد التضليل والتلاعب في العصر الرقمي، قائلًا: إن الذكاء الاصطناعي يغيّر طريقة تلقّينا للمعلومات وتواصلنا، لكن مَن يوجّه هذا التغيير ولأي غرض؟
وأكد البابا أن الصحافة تتحمل مسؤولية خاصة في الحفاظ على الثقة في عصر تهيمن عليه الخوارزميات ومقاييس التفاعل، وحذر من أن الإعلام قد ينشغل بحركة المرور على حساب الحقيقة.
وأشار إلى أن الصحافة الأصيلة والدقيقة تظل ترياقًا لانتشار المعلومات الزائفة، وأن العالم بحاجة إلى معلومات مجانية ودقيقة وموضوعية، مثنيًا على العمل الدقيق للصحفيين ذوي المصداقية، معتبرًا أن التزامهم قد يكون حاجزًا في وجه من يسعون، من خلال فن الكذب القديم، إلى خلق الانقسامات بهدف الحكم بالتفرقة.
وفي تأمل فلسفي، أشار ليو إلى الفيلسوفة السياسية الألمانية حنة أرندت، مبرزًا حجتها بأن المواطن المثالي في ظل الحكم الشمولي ليس مؤمناً متحمسًا، بل أشخاصًا لم يعد لديهم التمييز بين الحقيقة والخيال والحق والباطل، وهو الخلط الذي تسعى حملات التضليل الحديثة، وبخاصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلى استغلاله.
واتسمت تصريحاته بنبرة من القلق والأمل، محثًا الصحافة على أن تكون البوصلة الأخلاقية في مشهد رقمي يزداد ضبابية بسبب الأصوات المصطنعة والروايات الملفقة.
وتتوافق رسالة ليو مع هدف بابوي أوسع يركز على كيف تعيد التكنولوجيا تشكيل العلاقات الإنسانية والمسؤوليات الأخلاقية، فقد حذر في مايو من التحامل والاستياء والتعصب وحتى الكراهية في تغطية الإعلام، داعيًا إلى التعاطف والإنصاف.
كما أوضح ليو ارتباط هويته البابوية بهذه اللحظة التحولية، مبينًا أن اختياره اسم ليو كان تكريمًا ليو الثالث عشر الذي كتب ريروم نوفاروم عام 1891، وهو رسالة عامة تناولت الاضطرابات الاجتماعية التي أحدثتها الثورة الصناعية، مُشيرًا إلى أن الكنيسة اليوم تقدم تعاليمها الاجتماعية استجابةً لثورة جديدة هي ثورة الذكاء الاصطناعي.
كان خطابه تأملًا فلسفيًا وصرخة استنفار في آن واحد، يحث الصحافة على استعادة سلطانها الأخلاقي في عصر الإعلام الخوارزمي، والوقوف في وجه التضليل المتخفّي في زيّ الحقيقة، مؤكدًا أن العمل الصبور والدقيق يجعل الإعلام حصنًا منيعًا ضد رمال التقريب المتحركة وربما ما بعد الحقيقة، وتذكيرًا بأن الدفاع عن الحقيقة واجب إنساني بامتياز.
