نجحت تجارب صينية في استخدام الخلايا الجذعية المعدّلة وراثيًا لإيقاف علامات الشيخوخة وعكسها لدى القردة، وهو إنجاز غير مسبوق في مجال الطب التجديدي قد يمهد الطريق لإطالة عمر الإنسان بشكل فعّال وليس فقط التخفيف من أعراض التقدم في العمر.
الخلايا الجذعية… مفتاح تجديد الجسد
تمثل الخلايا الجذعية ذاكرة بيولوجية يحتفظ بها الجسم منذ الولادة، وتملك القدرة على التحول إلى أي نوع من أنسجة حسب حاجة الجسم.
يبرز نشاط الإنزيم التيلوميراز في الخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري والمشيمة، وهو الإنزيم الذي يحافظ على أطراف الكروموسومات ويتراجع مع التقدّم بالعمر، ما يجعل الخلايا أكثر قدرة على الإصلاح والتجدد عندما يعاد توجيهها.
من التجارب إلى النجاح… القردة تشهد أولى خطوات التغيير
في تجربة استمرت نحو عام، حقن فريق من الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة العاصمة الطبية قرود سينومولجوس مسنة بنوع من الخلايا السلفية المتوسطة المقاومة للشيخوخة (SRCs)، وهي خلايا مرّبتة بإعادة برمجة جينية لجين FOXO3 المرتبط بطول العمر. لم تظهر القردة آثار جانبية، وبدأت تدريجيًا تستعيد نشاطها الذهني والبدني وتعود إلى سلوكياتها الحيوية التي تراجعت مع العمر.
عند فحص الأنسجة، تغيّرت مؤشرات أكثر من 60 نوعًا من الأنسجة الحيوية، شملت الدماغ والعظام والجهاز التناسلي. تراجع التليف الدماغي وضمور الدماغ، تحسّنت بنية العظام، وزادت الخلايا العصبية نشاطها واتصالها. وقررت تقنيات الذكاء الاصطناعي قياس العمر الخلوي أن الخلايا العصبية استعادت سبع سنوات من الشباب، بينما جُدّدت البويضات بما يقارب خمس سنوات.
بهذا الإنجاز، أصبحت مكافحة الشيخوخة تجربة مثبتة لدى الرئيسيات وتقترب من الإنسان بشكل عملي.
الجسيمات الخفية التي تحمي الخلايا من الشيخوخة
أظهر التحليل أن جسيمات خارجية تُسمّى الإكسوسومات التي تطلقها SRCs تحمل إشارات تسمح بالتجديد ونقل الأوامر من خلية إلى أخرى، فتساعد في حماية الجينوم وتقليل الالتهاب وتحفيز إنتاج خلايا جديدة. وعند اختبار هذه الجسيمات وحدها على فئران مسنة، لاحظ الباحثون انخفاضًا في تدهور الأعضاء وتزايد تجديد الخلايا العصبية والكبدية، ما يشير إلى إمكان استخدامها في علاجات ضد أمراض الشيخوخة المزمنة.
التطبيق الطبي
في العالم الحقيقي، ينتقل البحث من المختبر إلى العيادات. في أوروبا وأوكرانيا، يمكن تخزين دم الحبل السري والمشيمة عند الولادة لاستخدامها لاحقًا في برامج تجديد الشباب والعلاج الوقائي، وهو خيار يتيح للأسر الاستفادة من الخلايا الجذعية الخاصة بهم دون الاعتماد على متبرعين أو أدوية مكلفة. استخدام الخلايا الذاتية آمن، إذ لا يسبب رفضًا مناعيًا أو آثار جانبية.
الشباب البيولوجي
لا يقتصر العلاج بالخلايا الجذعية على تحسين المظهر خارجيًا بل يهدف إلى تجديد عمل أجهزة الجسم الداخلية، فتتحسن القدرة على التحمل والتوازن الهرموني والاستقرار المزاجي وتعزيز المناعة. كما يلاحظ الأطباء زيادة في النشاط الذهني وسرعة رد الفعل وتحسن الذاكرة. يصف بعض المتلقين الشعور بأنه عودة تدريجية للحيوية المفقودة.
أشخاص يمكنهم الاعتماد على الخلايا الجذعية
لا يوجد سن محدد للعلاج؛ قد يخضع الشباب له كوقاية، كما يستفيد كبار السن منه لعلاج آثار العمر والتعب. يمكن للنساء والرجال استخدام مستخلص المشيمة والخلايا الجذعية المخزنة عبر الحقن الوريدي أو العلاجات الموضعية، لأنها تساهم في تحسين البشرة وتنشيط الدورة الدموية واستعادة مرونة الأنسجة.
الطب والأبحاث الجديدة
تتلاقى الأبحاث الصينية والأوروبية في فكرة واحدة: العمر لم يعد عائقًا أمام التجدد. العلم اليوم يمنح الإنسان أدوات لإعادة بناء خلاياه من الداخل، لإطالة الشباب والصحة. ليست المعجزة هدفًا، بل نتيجة عقود من البحث، كما قال أحد العلماء: “نحن نحاول أن نجعل الخلايا تتذكر كيف كانت في شبابها”.
