أكد مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في دورته الاستثنائية الحادية والعشرين المنعقدة اليوم بمقر الأمانة العامة في جدة، بناءً على طلب دولة فلسطين والجمهورية التركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضرورة التحرك الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة الجماعية وصد محاولات تكريس الاحتلال والسيطرة الكاملة على قطاع غزة.
جدد المجلس تأكيده لكل القرارات الصادرة عن قمم المنظمة ومجالسها الوزارية بشأن قضية فلسطين والقدس الشريف، وأشار خصوصًا إلى قرار القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2024 وقرارات الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول بتاريخي 21 و22 يونيو 2025.
أدان المجلس العدوان الإسرائيلي المستمر في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في قطاع غزة، وما نتج عنه من سقوط أكثر من 62 ألفاً وخمسمائة شهيدًا بينهم نحو 12 ألفاً و400 امرأة وحوالي 18 ألفاً وخمسمائة طفلاً، وأكثر من 160 ألف جريح، وتهجير أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني من منازلهم، إضافة إلى الانتهاكات المتواصلة في الضفة الغربية والقدس الشريف والتوسع الاستيطاني غير القانوني.
إدانة الجرائم والمساءلة الدولية
اعتبر المجلس أن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، من عدوان وإبادة جماعية وتطهير عرقي وحصار وتجويع واستخدام سياسات استيطان استعماري وهدم منازل واستهداف المقدسات، ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وتستدعي مساءلة ومحاسبة وفق القانون الجنائي الدولي.
أكد المجلس أهمية متابعة القضية أمام محكمة العدل الدولية استنادًا إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، وتنفيذ الرأي الاستشاري والتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة، ودعا إلى إحالة جرائم التجويع والحصار على قطاع غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
نداءات إنسانية وفتح المعابر
شجب المجلس استهداف البنية التحتية المدنية في غزة وتدمير سلاسل الإمداد والغذاء والمياه والمرافق الطبية، ما أدى إلى مجاعة وكارثة إنسانية من صنع الإنسان، ودعا إلى وقف فوري لجميع العمليات العسكرية ورفع الحصار بشكل كامل دون قيد أو شرط لضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، وضمان حرية عمل وكالات الإغاثة وعلى رأسها الأونروا.
حمل المجلس إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية والمجاعة في قطاع غزة، وطالبها بفتح جميع المعابر والسماح الفوري وغير المشروط بدخول المساعدات الإنسانية وضمان حرية عمل المنظمات الدولية والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
جهود التهدئة وملفات الأسرى والرهائن
دعم المجلس جهود جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار واتفاق لتبادل الأسرى والرهائن، واعتبر ذلك مدخلاً إنسانيًا لتخفيف المعاناة وتنفيذ انسحاب كامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة وتسهيلاً لعودة النازحين وبدء عملية إعادة الإعمار من خلال مؤتمر القاهرة.
أدان المجلس رفض إسرائيل لمقترحات الوسطاء واعتبر استمرارها في التقليص من فرص التهدئة سببًا في تفاقم الكارثة الإنسانية واستمرار احتجاز الرهائن والأسرى ومنع دخول المساعدات.
الإجراءات القانونية والدولية
دعا المجلس مجلس الأمن إلى عقد جلسة استثنائية حول العدوان خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، وطلب من الدول الأعضاء التنسيق مع دولة فلسطين بهذا الشأن، كما طالب مجلس الأمن، وتحت الفصل السابع، بتحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والإنسانية واتخاذ تدابير فورية وملموسة لوقف المخططات الإسرائيلية لفرض احتلال عسكري كامل على قطاع غزة وإنهاء الإبادة وضمان وصول المساعدات الإنسانية بصورة واسعة.
وكلّف المجلس الدول الأعضاء التي هي أطراف في نظام روما الأساسي باتخاذ كل التدابير القانونية المحلية الممكنة لدعم تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر 2024، ودعا إلى ضمان امتثال إسرائيل للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في 26 يناير 2024.
حث المجلس الدول على اتخاذ جميع الوسائل القانونية والفعّالة لمنع استمرار جرائم إسرائيل، بما في ذلك دعم جهود إنهاء الإفلات من العقاب وفرض عقوبات ووقف تزويدها بالأسلحة والمواد العسكرية ذات الاستخدام المزدوج ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وملاحقتها قانونياً، ودعا إلى دراسة مدى توافق عضوية إسرائيل مع ميثاق الأمم المتحدة والتنسيق من أجل تعليق عضويتها إذا استمر الانتهاك الواضح لالتزاماتها الدولية.
الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين
شدد المجلس على ضرورة تولي حكومة دولة فلسطين مسؤولياتها الكاملة في الحكم والأمن في جميع الأرض الفلسطينية المحتلة، ودعا دول المنظمة وتجمع المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم الكامل لها بما في ذلك تفعيل شبكة الأمان المالية الإسلامية وفق آليات شفافة، وطالب المجتمع الدولي بإلزام الاحتلال بالإفراج فورًا عن أموال عائدات الضرائب الفلسطينية المحتجزة.
دعا المجلس إلى تنفيذ مخرجات مؤتمر نيويورك عالي المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين (28–30 يوليو 2025) واعتبار إعلان نيويورك مرجعًا لتطبيق حل الدولتين وإجراءات عاجلة بجدول زمني لإنهاء الحرب وبدء إعادة الإعمار.
القدس والمقدسات
أدان المجلس الاعتداءات الممنهجة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وحذر من محاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني لهذه الأماكن، مؤكدًا دور المملكة الأردنية الهاشمية في الوصاية على المقدسات ودور إدارة أوقاف القدس ولجنة القدس برئاسة ملك المغرب ووكالة بيت مال القدس الشريف.
الاستيطان والإرهاب الاستيطاني
ندد المجلس بخطط الاستيطان غير الشرعي التي تسعى لتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي على الأرض الفلسطينية، وذكر آخر قرار مصادقة على بناء 3,400 وحدة استيطانية في منطقة ما تسمى E1، وطالب بإنهاء الاحتلال والاستيطان ومساءلة المسؤولين وفق القانون الدولي.
حرية الصحافة وحماية الأسرى
أدان المجلس اغتيال الصحفيين والإعلاميين في قطاع غزة واعتبره جريمة حرب، وندد بمنع دخول مراسلي وكالات الإعلام الدولية إلى قطاع غزة، مع تسجيل مقتل 238 صحفيًا منذ اندلاع العدوان. كما ندد المجلس بجرائم الإخفاء القسري والإعدامات والتعذيب التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون، ودعا إلى تحقيق مستقل وشفاف والكشف عن مصير المختطفين وإطلاق سراحهم فورًا وضمان حمايتهم.
مواقف ودعم الدول الأعضاء
أشاد المجلس بالدور الفاعل الذي تقوم به الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، ودعم جهود الدول الأعضاء الأخرى في المجلس مثل باكستان والصومال وسيراليون وغويانا، ودعا الدول الأعضاء التي تترأس أو تملك مقاعد في مجلس الأمن إلى التعبئة العاجلة لوقف الجرائم وفرض إجراءات ملموسة.
رحّب المجلس بمواقف الدول التي أعلنت أو عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025 وحث الدول الأخرى على الاعتراف الكامل بدولة فلسطين كخطوة أساسية لتنفيذ وحماية حل الدولتين وتحقيق السلام.
مؤسسات ومنظمات
دان المجلس استخدام منظمات يُشتبه في توظيفها لخدمة سياسات الاحتلال، ومنها ما وصفه بمحاولة التلاعب بالمساعدات الإنسانية، واعتبر هذه الأفعال جزءًا من هندسة إجرامية للمجاعة والإبادة، داعيًا إلى محاسبة المتواطئين قانونيًا.
وشدّد المجلس على دعم عمل المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبر ولايتها ضرورية لحماية مبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
كلّف المجلس مجموعة منظمة التعاون الإسلامي القائمة في الدول غير الأعضاء والمنظمات الدولية بمواصلة الجهود لتنفيذ ما هو موكول إليها وفق قرارات القمة والوزراء، مع مراعاة القرار رقم 51/9-ق ت بشأن إنشاء هذه المجموعة.
وجّه المجلس الدعوة للمجتمع الدولي لتفعيل كل آليات الطوارئ لضمان وصول المساعدات الإنسانية والوقوف أمام محاولات تهجير الشعب الفلسطيني، وأكد أن السلام العادل والدائم لا يتحقق إلا عبر تنفيذ حل الدولتين على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق القانون الدولي ومبادرة السلام العربية.
كلّف المجلس الأمين العام بمتابعة تنفيذ هذا القرار ورفع تقرير عن النتائج إلى الدورة القادمة لمجلس وزراء الخارجية.
