العُلا «طريق البخور» مرآة للحضارات وملتقى الثقافات

شكلت العُلا متحفًا حيًا على رمالها الذهبية، حيث نقش سكانها القديمون آثارًا حجرية تروي حكايات حضارات مرت على أرض الجزيرة العربية.

الموقع

تقع العُلا في الجزء الشمالي الغربي من المملكة، وهي إحدى محافظات منطقة المدينة المنورة على بعد نحو 300 كم شمالها، وتمتد بطول يقارب 25 كم وعرض بين 3 و5 كم، وترتفع عن سطح البحر حوالى 700 متر، ومناخها قاري حار صيفًا وبارد شتاءً، وتضم حوالى 300 قرية، ويُقدّر عمر الاستيطان البشري فيها بنحو 4000 عام.

رحالة ومستكشفون

زار العُلا وجوارها رحالة ومستكشفون أجانب منذ أكثر من مئة عام لدراسة آثارها، من بينهم الفرنسيان أنطوان جوسن ورفائيل سافينياك اللذان استقصيا نقوش مدائن صالح وأنواع كتاباتها عام 1907 وعادا للمنطقة عامي 1909 و1910، كما زارها علماء ومسلمون خلال رحلات الحج مثل ابن بطوطة وعبدالقادر الجزيري الأنصاري.

مدائن صالح

تُعرف مدائن صالح أيضاً باسم مدينة الحجر، وتقع على مسافة نحو 22 كم شمال شرق العُلا، واشتهرت لموقعها على طريق التجارة القديم الذي ربط جنوب شبه الجزيرة بالشام وبلاد الرافدين ومصر، وتظهر في الموقع نقوش وقصص تاريخية متعلقة بقوم ثمود ونبيهم صالح عليه السلام كما ورد في القرآن.

الحضارتان اللحيانية والنبطية

سكنت المنطقة مجموعات مختلفة عبر التاريخ، فالثموديون استوطنوا المنطقة في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومن ثم اللحيانيون في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي القرن الثاني قبل الميلاد سيطر الأنباط على الحِجر وحوّلوها إلى مدفن ومعابد، وتضم مدائن صالح أكثر من 131 قبرًا منحوتًا في صخور رملية متآكلة تشهد ببراعة هندستهم، كما تحتوي المنطقة على نقوش لحيانية ومعينية تحتاج مزيدًا من الدراسة.

طريق البخور والواحات

شكلت العُلا محطة مهمة على «طريق البخور» الذي ربط جنوب الجزيرة بشمالها والمراكز الحضارية المجاورة، وكانت تمر به قوافل تحمل التوابل والعطور والبخور، كما احتوت القرية التراثية في العُلا على مسجد «العظام» المبني بحجارة ومحراب بعظم، وتحيط بها حقول ومزارع نخيل وبرتقال وما تشهده التربة الخصبة من مياه عذبة من نحو 35 عينًا جوفيًا.

الهيئة الملكية لمحافظة العُلا

أُنشئت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا برعاية خادم الحرمين الشريفين وولي العهد بهدف تطوير وحماية مواقع العُلا الأثرية والطبيعية، وتعمل الهيئة على تحويل المنطقة بشكل مستدام بمشاركة السكان المحليين لتنمية السياحة الثقافية والبيئية وجلب مرافق عالمية وتدريب أبناء المحافظة في تخصصات السياحة والآثار والفنون والتصميم والتقنيات الزراعية وإدارة المرافق.

شتاء طنطورة والمهرجانات

أطلقت العُلا مهرجانات وبرامج ثقافية وسياحية من أبرزها «شتاء طنطورة» الذي يجمع عروضًا فنية ومعارضًا خارجية مثل «ديزرت إكس العلا» بالإضافة إلى سباقات الفروسية ورالي ومناطيد وبطولة بولو الصحراء، وساهمت هذه الفعاليات في استقطاب زوار دوليين وتسهيل دخول السياح بفضل إجراءات التأشيرات الإلكترونية وخدمات الحجز.

مسرح مرايا

يحمل «مسرح مرايا» سجلاً قياسيًا كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم حسب موسوعة غينيس، ويقع في وادي عشار قرب سفح حرة عويرض، ويصمّم على شكل مكعب بواجهات مغطاة بالمرايا لتعكس الطبيعة المحيطة، ويتسع المسرح لنحو 500 شخص وتبلغ مساحة واجهته المرآتية نحو 9740 مترًا مربعًا، وهو مزود بأنظمة صوتية مسرحية متقدمة.

شجرة اللبان العربي

تعمل الهيئة الملكية على تنمية زراعة شجرة اللبان العربي محليًا مع المزارعين، وانتُجت كميات من بذورها وعُصرت لتجمُع زيوت تُرسل لتحاليل جودة عالمية بغرض التسويق الدولي، في خطوة تهدف إلى دعم اقتصاد العُلا المحلي عبر منتجات وراثية ونباتية تقليدية.

محمية شرعان ومشاريع بيئية

أطلقت الهيئة محمية شرعان الطبيعية عام 2019 لإعادة تأهيل النظام البيئي وإعادة توطين الأنواع الأصلية وزراعة الأشجار المحلية مثل الأكاسيا، كما أنشأت صندوقًا عالميًا لحماية النمر العربي بهدف تمكين إعادة توطينه مستقبلًا، وشملت المرحلة الأولى إطلاق أعداد من الوعول والنعام والغزلان ضمن إجراءات متوافقة مع إرشادات الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.

بعض مشاريع الهيئة الملكية

تشمل مشاريع الهيئة منتجع الشرعان ومحمية الشرعان وبرنامج حماية وبرنامج الابتعاث الدولي والصندوق العالمي لحماية النمر العربي، وتستهدف هذه المشاريع تطوير البنية السياحية وحماية البيئة وإعداد كفاءات محلية.