رافق عذوبة صوتها فنجان القهوة الصباحية وتماهَت رقة كلماتها مع أذان مستمعي إذاعة جدة.
عملت جواهر سراج بنا في الإذاعة أكثر من 52 عاماً، وعُرفت باسم “ماما جواهر” كمذيعة ومقدمة برامج وكاتبة سيناريو وممثلة إذاعية.
تعني لها كلمة “ماما جواهر” الكثير؛ هي رمز لما قدمته من دعم وتدريب لأجيال من المذيعين والمذيعات والمخرجين والممثلين الذين تتلمذوا على يدها.
دخلت الإذاعة بالصدفة عندما كان منزلها بجوار مبنى إذاعة جدة، واقترح والدها أن تسجّل تجربة أداء في سن السابعة عشرة، فتم قبولها فوراً لما تميزت به من سلامة مخارج الحروف وطلاقة الإلقاء دون حاجة لأوراق.
صقلت مهاراتها ذاتياً في عصر لم تكن فيه معاهد متخصصة، وكانت تسجل برامجها وتعيد الاستماع إليها لاكتشاف الأخطاء وتحسين الأداء، كما تلقت توجيهات من أساتذة كبار أمثال خالد زارع وعلي البعداني وعبدالستار صبيحي وحسن الطوخي ومحمد حيدر مشيخ.
قدمت أول برنامج إذاعي بعنوان “البيت السعيد” ثم شاركت في تسجيل “جريدة المساء”، وخاضت تجربة التمثيل الإذاعي من خلال مسلسل “جريمة في الصحراء” مع فريق من المخرجين والممثلين الذين كان لهم أثر في مسيرتها.
ذكرت أسماء زميلاتها الأوائل اللواتي شكلن زمن الإذاعة الجميل مثل فاتنة أمين شاكر وسلوى الحجيلان ونجاة العواد وشيرين شحاتة رحمها الله، وكذلك هند شيخ وليلى الشيخ ومريم الغامدي التي كانت توأم روحها وانتقلت لاحقاً لإذاعة الرياض.
تجمعها علاقة زمالة ومحبة بزملاء المهنة الذين تعلمت منهم الكثير، وقد تزوجت من المذيع والمخرج عبدالعزيز شكري “أبو ثامر” داخل أروقة الإذاعة، وكان زواجاً ومشاركة مهنية مميّزة.
أحبت مكة وحاراتها لما شهدت فيه من تآلف وروح جماعية، وقد قضت فترات من حياتها بين الدراسة في القاهرة والعودة للسعودية بعد وفاة والدتها، وكانت القراءة ملاذها في فترات انتظار التعليم.
تواصل المستمعون مع برامجها في الماضي عبر الرسائل والبريد والفاكس، وكانت تصلها رسائل مطرزة تعبيراً عن تفاعل الجمهور، ومع الوقت تواصل البعض هاتفياً لإبداء الملاحظات والاقتراحات.
تطّلعت إلى وسائل التواصل لكنها لم تنشئ حسابات، وترى أن هذه الوسائل تعطي صورة ناقصة عن التواصل الحقيقي لاحتوائها على القص واللصق مما يفقدها الأثر العميق.
ترى أن الإذاعة موجودة الآن في كل مكان بفضل الهواتف والتقنية، لكنّ المهم هو ما يُقدّم من محتوى، وهي تشكو من السطحية والتكرار وغلبة الأغاني السريعة على برامج كثيرة حتى أدّت إلى توقفها عن متابعة كثير من البرامج حالياً.
تؤكّد أنها كانت تقضي ساعات يومياً في المكتبة بحثاً عن معلومات قيّمة ومراجع تخدم المستمعين وتغني البرامج بالمحتوى الثقافي والاجتماعي، وتؤكد ضرورة عودة البرامج الحوارية والثقافية والتعليمية والطبية وبرامج الأطفال والدراما الإذاعية بقوّة.
تنصح المذيعات الجديدات بالابتعاد عن السطحية والحرص على تقديم معلومات مفيدة وهادفة، لأن المذيع يحمل رسالة ويشارك في بناء وتنمية مجتمعه.
قدمت برامج محببة إلى جمهورها مثل “بشاير الصباح” و”اليوم المفتوح” و”استراحة الضحى” و”حديقة المساء” و”أوراق المساء” و”صباحك يا وطني”، وكانت معظمها مسجلة قبل أن ينتقل البث إلى المباشرة في إذاعة جدة.
من آخر أعمالها مسلسل “ويبقى الأمل” الذي عُرض قبل عامين في رمضان ومسلسل إذاعي بعنوان “غلطة عمري”.
ختمت رسالتها للمستمعين بكلمة مختصرة: “وحشوني” مع رغبة صادقة في العودة للقاء جمهورها وتلقي ملاحظاتهم وانتقاداتهم.



