العُلا «طريق البخور» مرآة للحضارات وملتقى الثقافات

شكلت العُلا جسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب، ونسج سكانها بنقوشهم الحجرية متحفًا حيًا يروي حكايات حضارات قديمة وغيّر مفهوم الصحراء إلى ملتقى للحوار الثقافي والحضاري والنهضة العمرانية.

الموقع

تقع العُلا في شمال غرب المملكة، ضمن منطقة المدينة المنورة على بعد نحو 300 كم شمالاً، وتمتد بطول حوالي 25 كم وعرض يتراوح بين 3 و5 كم، وترتفع نحو 700 متر فوق سطح البحر. تتميز بتضاريس جبلية وكثبان رملية ذهبية ومناخ قاري حار صيفًا وبارد شتاءً، وتتبع لها نحو 300 قرية ويصل عمر الاستيطان فيها إلى نحو 4000 عام.

رحالة ومستكشفون

زار العلا والواحات المجاورة عدد من الرحالة والمستكشفين الأجانب لدراسة آثارها، من أبرزهم الفرنسيان أنطوان جوسن ورفائيل سافينياك اللذان استكشفا نقوش مدائن صالح عام 1907م وحللا كتاباتها النبطية واللحيانية والمعينية والثمودية، كما قام المستكشف شارل هوبر برحلات إلى أجزاء من الجزيرة أواخر القرن التاسع عشر. ومرّ بها مسلمون رحالة مثل ابن بطوطة (726هـ) وعبدالقادر الجزيري الأنصاري (961هـ).

مدائن صالح والحضارات

تقع مدائن صالح أو «الحِجر» على بعد نحو 22 كم شمال شرق العُلا، واشتهرت لوقوعها على طريق التجارة القديم ولارتباطها بقوم ثمود ذُكروا في القرآن. سكنت المنطقة جماعات تمودية في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ثم اللحيانيون من القرن التاسع قبل الميلاد، وفي القرن الثاني قبل الميلاد استقر فيها الأنباط الذين عُرفوا بأعمالهم الهندسية، ومن آثارهم وجود أكثر من 131 قبرًا ضخمًا منحوتًا في الصخور الرملية إلى جانب نقوش معينية ولحيانية تحتاج لمزيد من الدراسة.

طريق البخور والزراعة

كانت العُلا محطة مهمة على طريق البخور الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بالشام وبلاد الرافدين ومصر، ومرّت عبرها قوافل تحمل التوابل والعطور والبخور. كما تميزت المنطقة بتربة خصبة ومياه جوفية كافية انبثقت من نحو 35 عينًا، ما جعَلها واحة زراعية تضم حقولًا، مزارع نخيل، وكروم فواكه، وتوجد بها قرية تاريخية تضم مسجدًا يعرف بـ«مسجد العظام» نسبةً إلى بنائه بالحجارة والعظام.

الهيئة الملكية ومشاريع التنمية

أسست «الهيئة الملكية لمحافظة العلا» برعاية خادم الحرمين وولي العهد لتطوير المحافظة وحماية مواقعها الأثرية وتحقيق قيمة اقتصادية وثقافية مستدامة، مع إشراك السكان المحليين عبر برامج تدريب وابتعاث في تخصصات السياحة والآثار والفنون والتخطيط البيئي والزراعات الحديثة. تهدف الهيئة لاستقطاب ملايين الزوار وتعزيز السياحة وخلق فرص عمل، كما جلبت مرافق سياحية وفندقية عالمية مع الحفاظ على تفاصيل الطبيعة والتراث.

شتاء طنطورة والفعاليات

نظمت العُلا مهرجانات وفعاليات مثل «شتاء طنطورة» التي عرضت الفنون والثقافة والتاريخ واستضافت فعاليات عالمية من بينها بطولة بولو الصحراء ومعرض «ديزرت إكس العلا» وسباقات فروسية وراليات ومنطاد، مما عزز حضور المنطقة سياحيًا وساهم في استفادة الإجراءات السياحية الجديدة مثل التأشيرة الإلكترونية.

مسرح مرايا

سُجل «مسرح مرايا» في موسوعة غينيس كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم، ويقع في وادي عشار قرب سفح حرة عويرض البركانية، ويتسع لنحو 500 شخصًا، ويظهر كمكعب مغطى بواجهات مرآة تبلغ مساحتها الخارجية حوالي 9740 م²، ويستخدم أحدث نظم الصوت والعرض المسرحي.

شجرة اللبان ومشاريع زراعية

تعمل الهيئة على تنمية زراعة شجرة تُدعى «البيرغرينا» المنتمية إلى عائلة المورينغا واستخلاص زيوتها لاستخداماتها الطبية والعطرية وفي صناعات التجميل. تعاونت الهيئة مع المزارعين في حصاد نحو 2500 كجم من البذور لعصرها وإرسال الزيت إلى مختبرات عالمية لاختبار الجودة وبدء تسويقه دوليًا كدعامة للاقتصاد المحلي.

محمية شرعان وحماية الأنواع

أطلق ولي العهد محمية شرعان عام 2019 كمشروع لإعادة تأهيل النظام البيئي وإعادة توطين الأنواع الأصلية وزراعة الأشجار المحلية مثل الأكاسيا واتباع إرشادات الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة. أنشأت الهيئة صندوقًا عالميًا لحماية النمر العربي بهدف إعادة توطينه مستقبلًا، وأطلقت خلال مراحل التأسيس مجموعات من الحيوانات منها 10 وعول، و10 طيور نعام أحمر الرقبة، و20 غزالًا.

تبقى للعُلا أسرار تاريخية وينابيع جمال صحراوي يخاطب الروح، وما مرّ من حضارات على أرضها يروي حكاية حضارة متواصلة.