استيقظ في صباحٍ بارد على عطسة مزعجة أو حلقٍ ملتهب، وتظن الأمر بسيطًا، لكنه غالبًا ما يمثل بداية مواجهة مع أكثر الأمراض انتشارًا في العالم: نزلات البرد. هذا الضيف غير المرغوب فيه يزور الكبار والصغار بلا استئذان، ومع أنه يُعد مرضًا خفيفًا في أغلب الأحيان، إلا أن إهماله قد يفتح الباب لمضاعفات غير متوقعة.
يُعَدُّ نزَل البرد من أكثر العدوى الفيروسية شيوعًا بين البشر، وتظهر أعراضها عادةً بعد نحو يومين من التعرض للفيروس، وتبلغ الذروة خلال أربعة أيام ثم تتراجع تدريجيًا خلال أسبوع إلى عشرة أيام.
المرحلة الأولى: البداية
في اليومين الأولين تبدأ المعركة بهدوء، فيظهر التهاب بسيط في الحلق، وعطس متكرر، وإحساس بثقل في الرأس. هنا يكون الفيروس قد بدأ بالانتشار في الأغشية المخاطية للجهاز التنفسي العلوي، مما يسبب انسداد الأنف وسيلانًا مزعجًا.
ينصح الأطباء في هذه المرحلة بالراحة التامة وشرب السوائل الدافئة لدعم المناعة، لأن الجسم يعتمد على طاقته الداخلية لمحاربة الفيروس دون تدخل دوائي محدد.
المرحلة الثانية: الذروة بين اليوم الثالث والخامس
خلال منتصف فترة العدوى، تصبح الأعراض أوضح: احتقان شديد في الأنف، سعال متقطع، وصوت مبحوح. غالبًا ما يتحول المخاط من شفاف إلى لون أصفر أو أخضر، وهو جزء من استجابة الجهاز المناعي، وليس مؤشرًا لضرورة تناول مضاد حيوي.
في هذه المرحلة، يمكن استخدام بخاخات الأنف المالحة لتخفيف الاحتقان، وتجنب المكيفات أو التدخين لأنهما يفاقمان الالتهاب.
المرحلة الثالثة: بداية التعافي
ابتداءً من اليوم السادس، تبدأ الأعراض بالانحسار تدريجيًا. تختفي الحمى إن وجدت، ويبدأ التنفس بالتحسن. ولكن السعال قد يستمر لأيام أو أسابيع بسبب استمرار التهيّج في الممرات الهوائية.
من المفيد هنا تناول المشروبات العشبية مثل الزنجبيل أو النعناع للحفاظ على ترطيب الجسم وتخفيف تهيّج الحلق، مع الحفاظ على ترطيب عام للمساعدة في سرعة الشفاء.
متى لا يكون الأمر “مجرد برد”؟
أحيانًا يُصاب الشخص بما يشبه نزلة البرد، لكن الأعراض تتفاقم أو تطول أكثر من المعتاد. إذا استمرت الأعراض لأكثر من عشرة أيام دون تحسن، أو تحولت إلى ألم في الوجه أو ضغط حول العينين والجبهة، فقد يكون السبب التهاب الجيوب الأنفية. أما إذا كانت الأعراض مصحوبة بحكة في العين وسيلان مائي مستمر، فقد تكون حساسية موسمية وليست عدوى فيروسية. التمييز بين هذه الحالات ضروري لتجنب تناول الأدوية الخاطئة أو المضادات الحيوية بلا داعٍ، وهو خطأ يزيد من مقاومة البكتيريا على المدى الطويل.
الفرق بين البرد والإنفلونزا وكوفيد-19
رغم التشابه في الأعراض، إلا أن هناك فروقًا مهمة: الإنفلونزا تظهر فجأة وبشكل عنيف، مع ارتفاع سريع في الحرارة وآلام حادة في المفاصل. أما نزلات البرد فتتطور تدريجيًا وتبقى أعراضها خفيفة إلى متوسطة. في المقابل، يتميز فيروس كوفيد-19 بأعراض إضافية مثل فقدان حاستي الشم والتذوق، أو اضطرابات في الجهاز الهضمي كالإسهال. لذا، عند ظهور أي من هذه العلامات، يجب استشارة الطبيب فورًا وإجراء الفحوص اللازمة لتحديد السبب الدقيق.
كيف تحمي نفسك من نزلات البرد؟
الوقاية تبدأ بعادات بسيطة لكنها فعالة: غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، وتجنب لمس الوجه بعد ملامسة الأسطح العامة، وتهوية الأماكن المغلقة، وتقوية المناعة بتناول غذاء غني بفيتامين C مثل الحمضيات والفلفل الأحمر. تجنب الإرهاق وقلة النوم، فالمناعة الضعيفة هي أول ما يستغله الفيروس. ورغم أن لقاح الإنفلونزا لا يمنع نزلات البرد، فإنه يحمي من العدوى المزدوجة التي قد تزيد من حدة الأعراض خلال فصل الشتاء.



