لماذا تشعل القهوة إشراق اليقظة لدى بعض الناس وتؤدي إلى النعاس لدى آخرين؟
يكمن الفرق في أن الكافيين لا يمنح الطاقة مباشرة، بل يؤثر على منظومة كيميائية دقيقة داخل المخ توجد مادة تسمّى الأدينوزين، المسؤولة عن الشعور بالتعب والإحساس بالنُعاس وانخفاض التركيز مع طول فترة اليقظة؛ وكلما طالت ساعات اليقظة زاد تراكم الأدينوزين في المخ.
يؤدي الكافيين إلى إغلاق مستقبلات الأدينوزين بشكل مؤقت وتأخير الإحساس بالنعاس، لكن استجابة المخ لهذا التأثير تختلف من شخص لآخر بسبب اختلافات في كيمياء المخ والجينات والحالة الصحية العامة.
لماذا ينام بعض الناس بعد شرب القهوة؟
تتداخل عوامل رئيسية وراء شعور بعض الأشخاص بالنوم بعد شرب القهوة، فتظهر أولاً الاختلافات الجينية حيث أشارت دراسات إلى وجود نسبة كبيرة من البشر لديهم بطء وراثي في تكسير الكافيين داخل الكبد، يقدر بنحو أربعين في المئة من الناس، وهذا يجعل تأثير القهوة أقل حدة أو حتى عكسيًا فيصبح النعاس أقرب إلى الشعور الأساسي.
وثانيها شرب القهوة مع إرهاق شديد؛ في حالات السهر الطويل ونقص النوم، يكون المخ مشبعًا بالأدينوزين المسؤول عن التعب، وبالتالي لا يتجاوب سريعًا مع فاعلية المنبه.
وأظهرت دراسات طب النوم أن أكثر من ستين في المئة من المحرومين من النوم لا يتحسن انتباههم بعد شرب القهوة، وربما يشعر نحو ربعهم بالنعاس بعد تناولها، فالكافيين لا يستطيع التغلب على إرهاق المخ في هذه الحالة ويحدث ما يشبه الاستسلام العصبي للنوم.
كما أن الإصابة بالقلق أو الاكتئاب قد تزيد من التوتر العصبي وتسريع ضربات القلب وتزايد الاستثارة الذهنية، ثم يعقب ذلك هبوط عصبي مفاجئ؛ وتبين أن مرضى القلق المزمن أكثر عرضة للشعور بالنعاس بعد القهوة مقارنة بمن هم في صحة نفسية أفضل.
أما الاعتياد المزمن على القهوة، فمع التناول اليومي المكثف خصوصًا أكثر من ثلاثة أو أربعة فناجين يوميًا، يعمل المخ مع الوقت على تكوين مستقبلات إضافية للأدينوزين، فيقل تأثير القهوة المنبه وأحيانًا يظهر تأثير عكسي يتمثل في الشعور بالنعاس والخمول.
لماذا توقظ القهوة أشخاصًا آخرين؟
يوضح ذلك وجود فئة تشعر بوضوح باليقظة بعد شرب القهوة، ويعود ذلك إلى سرعة تكسير الكافيين في الكبد وتوازن كيمياء المخ والنوم المنتظم وعدم وجود إرهاق شديد.
تشير إحصاءات أوروبية إلى أن نحو ثلث الناس يستجيبون بتأثير منبه واضح ومستقر، كما أن اضطرابات النوم المرتبطة بالقهوة تكون أكثر شيوعًا بين كبار السن وتختلف بين الذكور والإناث.
تؤثر القهوة لدى النساء على هرموناتهن وتكسير الكافيين، فخلال الحمل أو عند استخدام موانع الحمل الهرمونية يكون التكسير أبطأ، مما يزيد من احتمالية النعاس والقلق والصداع بعد شرب القهوة، بينما في الذكور غالبًا ما يكون التكسير أسرع وتظهر آثار المنبه بشكل أوضح عندما يكون النوم جيدًا وعدم إرهاق.
هل توقيت شرب القهوة مهم؟
يؤكد أن توقيت شرب القهوة له أهمية كبيرة في الشعور بالاستيقاظ أو النعاس، فشرب القهوة فور الاستيقاظ قد يؤدي إلى زيادة النعاس بسبب الارتفاع الطبيعي لمُستوى الكورتيزول في هذا التوقيت، بينما يكون أفضل وقت للشرب بعد الاستيقاظ بساعتين إلى ساعتين ونصف، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن ذلك يحسن التركيز والانتباه بنسبة تقارب ثلاثين بالمئة عند الالتزام بهذا التوقيت.
نصائح لتقليل القلق المرتبط بالقهوة
إدراك أن استجابة القهوة تختلف من شخص لآخر يساعد في التعامل مع التوتر الناتج عن القهوة، فالخفقان أو القلق ليس دليلاً على خلل بل هو نمط مختلف في كيمياء المخ.
تنظيم التوقيت لا التنظيم المطلق، فالقلق غالبًا لا ينتج عن القهوة نفسها بل عن توقيت شربها، فشربها مع الإرهاق أو التوتر يزيد العبء على الجهاز العصبي ويستلزم ضبط التوقيت ليصبح استهلاك الكافيين متوازنًا مع الحالة العامة للجسم.
ربط القهوة بنمط حياة هادئ يساعد في استقرار استجابة الدماغ للكافيين، فالنوم الجيد والنشاط المنتظم يساعدان في تقليل تقلبات اليقظة والقلق المرتبطين بتناول القهوة.
الانتباه للحالة النفسية مهم، فالقلق السابق أو الضغوط المزمنة يجعل المخ أكثر حساسية لأي منبه، وفي هذه الحالة قد تكون القهوة مجرد عامل كاشف وليس السبب الأساسي للمشاعر القلقة.
عدم تضخيم الأعراض ضروري، فالتوتر الزائد حول الإشارات الجسدية قد يفاقم الإحساس بالقلق، بينما فهم طبيعة العرض يقلل من شدته ويتيح التعامل معه بشكل أكثر اتزانًا.



