خلاف حول مفهوم الذكاء العام وإمكانات الذكاء الاصطناعي
تتصاعد هذه المناقشات بين أبرز خبراء الذكاء الاصطناعي حول تعريف الذكاء العام وإمكانية وصول الأنظمة إلى مستوى يشبه البشر، حيث دخل ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل ديب مايند، في نقاش حاد مع يان لوكون، المسؤول السابق عن أبحاث الذكاء الاصطناعي في ميتا، حول ما يعنيه مفهوم “الذكاء العام” وهل يمكن أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى بشري فعلي.
يُفسر هذا الخلاف بأن مفهوم الذكاء العام AGI يمثل قدرة نظام ذكي على التعامل مع مجموعة واسعة من المهام الجديدة دون تدريب خاص بكل مهمة، وهو هدف تعتقد شركات مثل OpenAI وجوجل أن أدواتها مثل تشات جي بي تي وجيمينى قد تبلغان يوماً هذه المرحلة عبر التعلم الفوري والتكيف مع المشاكل الجديدة.
إلا أن الواقع الحالي يظل بعيداً عن تلك الرؤية، فحتى مع قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على حل مسائل معقدة أو اجتياز اختبارات عالية، يظل «ذكاؤها» أقرب إلى ذكاء طفل في العاشرة من حيث الفهم العام والتعامل مع العالم الحقيقي.
أثار يان لوكون جدلاً بالتصريحات التي شككت أصلًا بوجود مفهوم “الذكاء العام” حتى لدى البشر أنفسهم، معتبرًا أن الذكاء البشري شديد التخصص وي evolved بيولوجيًا لمعالجة مشكلات محدودة، وهو ما يفسر اختلاف قدرات البشر فليس كلهم عباقرة في الرياضيات أو مبدعين في الكتابة.
ويُبرز لوكون مثال لعبة الشطرنج ليؤكد أن اللاعبين البشر، مهما بلغوا من مهارة كما هو حال بطل العالم، لا يمكنهم حساب عدد لا محدود من الاحتمالات في حين أن الآلات يمكنها تحليل ملايين السيناريوهات في ثوانٍ، ما يدفعه إلى انتقاد سعي بناء أنظمة ذكاء اصطناعي «تشبه العقل البشري» بالأساليب نفسها التي تعتمد كميات هائلة من البيانات، داعياً إلى نهج أوسع يعتمد على الذاكرة طويلة المدى والبيانات الحسية.
في المقابل، رد ديميس هاسابيس بأن لوكون يخلط بين مفهومي “الذكاء العام” و”الذكاء الشامل المطلق”، معتبراً أن الدماغ البشري أقدر أنظمة التعلم عمومية وتعقيداً في الكون، وأن البشر يمتلكون بالفعل قدرًا من الذكاء العام ويمكن للذكاء الاصطناعي بلوغه مستوى مشابه رغم القيود البيولوجية. إشادته جاءت بتوجيه إلى مفهوم آلة تورينج، كنموذج نظري لحاسوب قد يحقق ذكاء غير محدود إذا توفرت له ذاكرة وموارد غير محدودة، واعتبر أن الدماغ البشري يشكّل نسخة بيولوجية تقريبية من تلك الآلة، وأن نماذج الذكاء الاصطنائي الحديثة تقترب تدريجاً من هذا المفهوم، ما يجعل البشر والآلات يمتلكون قدرًا من العمومية يسمح لهم بتعلم نطاق واسع من المهام.
لم يكن هاسابيس وحده في هذا الرأي، إذ أعلن إيلون ماسك دعمه له قائلاً باختصار: “ديميس على حق”، وكان ماسك معروفاً بتحذيره من مخاطر الذكاء الاصطناعي المتقدم إلى جانب إيمانه بإمكاناته الهائلة، إذ يرى أن ظهور أنظمة فائقة الذكاء مسألة وقت لا أكثر. ومع هذا الدعم، لم يتراجع يان لوكون عن موقفه، موضحاً في رد لاحق أن اعتراضه الأساسي يتعلق باللغة المستخدمة لوصف أنظمة الذكاء الاصطناعي، قائلاً: “أعترض على استخدام كلمة ‘عام’ للإشارة إلى مستوى بشري، لأن البشر أنفسهم شديدو التخصص.”



