تسجل صخور محافظة العُلا سجلًا تاريخيًا مفتوحًا لمسيرة تطوّر اللغة العربية، إذ حفظت عبر آلاف السنين شواهد مبكرة للتعبير الإنساني، بدأت بالرسوم والرموز التصويرية، قبل أن تتدرّج إلى العلامات الصوتية والحروف، وصولًا إلى بواكير الكتابة العربية.
وتضم مواقع متعددة في العُلا آلاف النقوش والكتابات الصخرية تعود لعصور زمنية متعاقبة، تعكس انتقال الإنسان من التعبير الرمزي القائم على الرسم وتسجيل المشاهد اليومية والمعتقدات، إلى التدوين بالحرف المنظَّم، في مسار تاريخي يبرز تطوّر اللغة العربية كأداة للتواصل وحفظ المعرفة.
المواقع والكتابات في العُلا وأثرها اللغوي
وتؤكد هذه الشواهد أن اللحيانية والنبطية ونماذج عربية مبكرة تشترك في مسار التطور اللغوي، وتكوِّن حلقات متصلة في تاريخ تشكّل اللغة.
وتؤكّد هذه النقوش المكانة الحضارية للعُلا كمحطة محورية على طرق القوافل والتجارة القديمة، حيث التقت حضارات وتداخلت ثقافات، وسعى الإنسان إلى توثيق حضوره وأفكاره ومعتقداته على الصخر ليترك إرثًا لغويًا وإنسانيًا ما زال شاهدًا حتى اليوم.
وتحظى هذه الكنوز الأثرية بعناية واهتمام من خلال جهود التوثيق والدراسة والحماية، لما تحمل من قيمة علمية وثقافية عالمية، وتُسهم في فهم تاريخ اللغة العربية وتطورها، وتبرز دور العُلا في حفظ مراحلها الأولى من الرمز إلى الحرف.
المبادرات التعليمية والتراثية
تتولى الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، ممثَّلةً في معهد العُلا للغات، تعليم العربية إلى جانب إطلاق برنامج «إحياء اللغات القديمة» لتعزيز الوعي التراثي وتمكين الأهالي والزوار من استكشاف التاريخ اللغوي للمحافظة وما تزخر به من لغات ونقوش تعود إلى عصور متعاقبة.
يقدّم البرنامج دورات متخصصة في اللغات القديمة المعروفة في العُلا عبر العصور، مثل الآرامية والثمودية والدادانية واللحيانية والنبطية، إضافةً إلى ورش عمل في فنون النقش على الصخور، ويربط المعرفة النظرية بالتجربة العملية ويعمّق فهم الموروث اللغوي والنقشي للمحافظة.
اليوم العالمي للغة العربية وربط العُلا بجذور اللغة
ويأتي هذا الإرث الحضاري متزامنًا مع اليوم العالمي للغة العربية الذي يُحتفى به في الثامن عشر من ديسمبر، ليؤكد ارتباط العربية بجذورها التاريخية العميقة ويستحضر دور مواقع مثل العُلا التي تقف صخورها سجلًا تاريخيًا حيًا على رحلة اللغة من الرموز إلى الحروف.



