تزدهر مدرجات عسير في موسم حصاد الذرة المحلية، وهو مشهد يتجدد كل عام يعكس ارتباط الإنسان بالأرض، وتنتشر فيها الزراعة في القرى الجبلية والسهول التهامية، وتُعتمد على الأمطار وتخزين المياه في المدرجات والاعتماد على مياه الآبار، ما يجعلها نموذجًا لزراعة مُتكيّفة مع المناخ وذات كفاءة مائية عالية.
تعتمد الزراعة في هذه الربوع على الأمطار وتحويل مياهها عبر المدرجات إلى مخازن مائية طبيعية، ما يتيح استدامة المحاصيل في مناخ متغير ويعزز كفاءة استخدام الماء في قرى الجبال والسهول.
تشير تقارير وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى أن برنامج “ريف” أسهم في دعم المزارعين ورفع إنتاجية الحيازات الصغيرة في سراة عسير وتهامتها، الأمر الذي عزز القيمة الاقتصادية للذرة المحلية وأعاد إحياء ممارسات زراعية تقليدية ارتبطت بالمنطقة عبر أجيال.
الإطار الزراعي والاقتصادي للذرة العسيرية
وتعد الذرة عنصرًا غذائيًا رئيسيًا في المطبخ العسيري، إذ تدخل في أطباق تراثية مثل الخمير، وفتة الخمير، والمشغوثة، واللحوح؛ بما يعكس حضورها التاريخي ودورها في الأمن الغذائي للسكان، وفق مراجع متخصصة في الموروث الغذائي السعودي.
وأطلقت الوزارة مبادرات لدعم الزراعة الجبلية، منها برنامج المدرجات الزراعية وحصاد مياه الأمطار، ودعم الجمعيات التعاونية لتسويق المنتجات المحلية، وتشجيع استخدام التقاوي المعتمدة، وتطوير مسارات الزراعة العضوية، وربط الإنتاج بالأسواق عبر منصات تسويقية وفعاليات موسمية.
ويؤكد باحثون في التاريخ الزراعي أن الذرة كانت جزءًا أساسيًا من دورة الحياة الزراعية في عسير، تُزرع وفق مواسم معروفة وتُخزّن في مخازن طينية لاستخدامها طوال العام، وهو ما يتقاطع مع أهداف تعزيز الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة.
ومع تطور الصناعات الزراعية الحديثة، تبرز فرص لتحويل الذرة العسيرية إلى منتجات ذات قيمة مضافة مثل الدقيق البلدي، والمنتجات الخالية من الجلوتين والأعلاف، مع العمل على تطوير السلاسل الإنتاجية وتفعيل الهوية الجغرافية للمنتج.
وتجسد الزراعة التقليدية في عسير نموذجاً مبكراً لمفاهيم الاستدامة، حيث تعتمد على الأمطار وتقنيات طبيعية في الري والتهوية، فيما يسهم الدعم الحكومي والمبادرات التنموية في الحفاظ على هذا الموروث بوصفه موردًا اقتصاديًا وامتدادًا لهوية المنطقة الزراعية.
وتتواصل رحلة الحصاد سنويًا من مرتفعات النماص وتنومة وبلسمر وبلحمر وصولًا إلى تهامة عسير، حيث تظل الذرة عنوانًا لأصالة الإنسان وكرم المكان في هذه المنطقة الزراعية العريقة.



