يتواصل الإنسان مع محيطه عبر شاشات لا تنطفئ، من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر والتلفاز، فتصير الوسائط الرقمية جزءاً أساسيّاً من أنماط حياته اليومية.
وتتزايد التحذيرات من ظاهرة تُعرف بإدمان الشاشة، وهي حالة يعتمد فيها الفرد نفسياً وسلوكياً على الأجهزة حتى يصبح الانفصال عنها أمراً شبه مستحيل.
تعمل الإشعارات والتنبيهات المستمرة كمحفّزات رئيسية تجعل الدماغ يرفع من نشاطه في مراكز المكافأة، فيدفع الشخص باستمرار لتكرار التجربة من أجل الحصول على المتعة اللحظية نفسها.
وجوه متعددة للإدمان الرقمي
لا يقتصر الإدمان على نوع واحد من الأجهزة، بل يمتد ليشمل الهاتف المحمول والإنترنت والألعاب والوسائط الاجتماعية والتسوق الإلكتروني، فتتحول هذه الأنشطة تدريجيّاً إلى سلوك قهري يعوق الحياة اليومية من العمل والعلاقات والنوم.
حين تتحدث الأرقام
تشير التقديرات إلى أن المستخدم العادي يقضي أكثر من سبع ساعات يومياً أمام الشاشات لأغراض العمل والترفيه معاً، وهو وقت يمكن أن يترك آثاراً سلوكية وجسدية واضحة مثل إجهاد العين وآلام الرقبة والظهر ومتلازمة رؤية الكمبيوتر.
انعكاسات على المزاج والصحة النفسية
لا تقتصر الآثار على الجانب الجسدي، بل تمتد إلى الصحة النفسية؛ فارتفاع وقت الشاشة ارتبط بزيادة القلق والاكتئاب، خصوصاً بين المراهقين والنساء، نتيجة حالة «الانفصال الاجتماعي» رغم البقاء على تواصل مستمر مع العالم الافتراضي.
القلق الخفي والضغوط الرقمية
يظن الكثيرون أن التصفح يتيح الاسترخاء، لكن الدماغ لا يجد راحة وسط سيل الإشعارات والأخبار والمقاطع المحفّزة، ما يولّد القلق الرقمي وخوف تفويت شيء مهم وتراجعاً في تقدير الذات بسبب المقارنة المستمرة مع الآخرين.
كيف يمكن كسر الحلقة؟
ينصح باتباع قاعدة 20-20-20 لتخفيف إجهاد العين: بعد كل 20 دقيقة من استخدام الشاشة، النظر إلى شيء يبعد 20 قدماً لمدة 20 ثانية. كما يعدّ تحديد أوقات لاستخدام الهاتف وإيقاف الإشعارات غير الضرورية خطوات فعّالة لاستعادة السيطرة على العادات الرقمية.
وفي حالات الإدمان الشديد، قد يتطلب الأمر تدخّلاً علاجياً يشمل العلاج السلوكي المعرفي لتعديل أنماط التفكير المرتبطة بالاستخدام المفرط، أو العلاج القائم على اليقظة الذهنية لتهدئة الذهن وإعادة الوعي للحظة الحاضرة.
عندما تكون العائلة جزءاً من العلاج
يشير الأطباء إلى أن العلاج لا يقتصر على الفرد فحسب، بل يمتد إلى محيطه الاجتماعي؛ فالعلاج الأسري يساهم في تحسين التواصل ووضع حدود واضحة لاستخدام الأجهزة داخل المنزل، وتوفر جلسات الدعم الجماعي شعوراً بفهم ومساندة من أشخاص يواجهون المشكلة نفسها، مما يعزز فرص التعافي.



