أصبح التعامل مع الهاتف جزءاً من واقع الأطفال اليوم، ما أدى إلى ادمان بعضهم للهاتف. تشير الدراسات إلى أن المحفزات الرقمية السريعة تثير دوائر المكافأة في مخ الطفل بطريقة تشبه المواد المنشطة، وهذا يجعل الطفل أسيراً لإثارة اللحظة ويؤثر سلباً في قدرته على الصبر والتركيز ويزيد تقلب مزاجه.
يؤكد الدكتور عادل سلطان، استشاري علم النفس، أن الخطر الحقيقي لا يكمن في وقت الاستخدام بل في الطريقة التي يُقدَّم بها الهاتف للطفل للمرة الأولى. عندما يُعامل الجهاز كوسيلة تهدئة دائمة، يتحول إلى ملاذ نفسي لا يستطيع الطفل الانفصال عنه، بينما إذا استخدم كأداة تعلم وتواصل محدودة الأهداف تقل احتمالات الإدمان.
وتظهر أضرار الإدمان على الهاتف في التأخر الإدراكي والحسي والسلوكي والاجتماعي، واضطراب يوم الطفل وتوازنه الصحي، إضافة إلى مشاكل صحية مرتبطة بالنظر والصحة العامة.
لا يوجد عمر واحد يجزم بجاهزية الطفل لاستخدام الهاتف بشكل آمن؛ فالسلوك والتربية والبيئة هي الحاكم الأساسي. فبعض الأطفال في العاشرة قد يكونون أكثر ضبطاً من آخرين في الخامسة عشرة. السؤال ليس متى نعطي الطفل الهاتف، بل هل نضج لاستخدامه دون أن يُدمنه.
ومن المهم أن نميز أن منح الهاتف قبل سن الرابعة أو الخامسة يحمل مخاطر كبيرة، لأن الطفل في تلك المرحلة لا يملك مهارة التنظيم الذاتي ولا القدرة على ضبط العواطف أو الأفكار بشكل يقيه من الإدمان. البداية المثالية تكون عبر استخدام الهاتف ضمن سياق عائلي جماعي، مع مراقبة وتوجيه، ثم زيادة الحرية تدريجيًا وفق التزام الطفل وحدوده حتى يتعلم التعامل الذكي مع الهاتف.
العمر المناسب لاستخدام الهاتف
يؤكد كل من الضرورة أن الخطر لا يكمن في وقت الاستخدام، بل في الطريقة التي يُقدَّم بها الجهاز للطفل للمرة الأولى. حين يُعامل الهاتف كملاذ دائم، يُصبح من الصعب فصله عنه، أما حين يُستخدم كأداة تعلم وتواصل محدودة الأهداف فتقل احتمالات الإدمان بشكل ملموس.
كيف يتعامل الأهل مع الطفل المدمن للشاشات؟
يشير الدكتور سلطان إلى أن غضب الطفل عند منعه من الهاتف لا يعكس سوء الأخلاق، بل يعكس ارتباطه القوي بالجهاز واحتياجه للراحة النفسية التي يوفرها. لذلك يجب أن يتعامل الأهل بهدوء، وأن يقدموا بدائل واقعية تعطيه متعة وتفاعل حقيقي بعيداً عن الشاشة، مثل اللعب في الهواء والأنشطة العائلية، مع تجنب التوبيخ أو العنف أو العقاب القاسي لأنها تزيد من تمسكه بالشاشة.
ينبغي أن يوفر الأهل بيئة بديلة وتوجيهات واضحة، لأن حرمانه المفاجئ يخلق فراغاً وقلقاً يحفزان البحث عن شاشة كمهرب. كما تساعد البدائل الحقيقية في استعادة توازنه تدريجيًا وتدعيم علاقاته الاجتماعية والواقعية.
خطوات علاجية واقعية داخل البيت
ابدأ بالتحدث مع الطفل بهدوء واحتواء عن أضرار الهاتف، ثم خفِّض تدريجيًا الوقت المخصص للشاشة بدلاً من المنع الفوري، مع التركيز على توفير بدائل ونشاطات مناسبة تشعره بالمتعة والإنجاز. ضع مواعيد ثابتة للنزهة والدراسة والنوم تكون خالية من الأجهزة قدر الإمكان، وتجنب وجود الأجهزة في الغرفة خلال فترات الاسترخاء.
اشرك الطفل في وضع القواعد العائلية ليشعر بالمسؤولية لا بالقيود، وتناول التوازن بين أوقات الترفيه والجد ليشعر بالتنوع وعدم الملل، ما يعيد إليه شعور السيطرة على يومه وتواصله الواقعي مع الآخرين.
راقب استخدام الأجهزة حتى في غياب الأهل، واحرص على اصطحابه في نزهات عائلية، واستمع جيداً إلى طفلك ليشعر بأنك تقبله وتفهمه دون الاعتماد على الشاشة كوسيلة تعبير أو قبول.



